مقال مميز ⭐

وتحسب أنك جرم صغير

أفكار
د. أحمد المليكي
١٨ نوفمبر ٢٠٢٥
3 مشاهدة
5 دقائق قراءة
شارك المقال:
يحمل الإنسان في داخله أسباب الشقاء والدواء، وخلاصه يبدأ من يقظة قلبه ومراجعة نفسه، لا من خارج ذاته.

داء ودواء

أكثر من ألف ومائتي عام مرت على بيتين من الشعر، فيها فهم عميق للإنسان.

عندما نظر الشاعر إلى أحوال الإنسان، ووجد أنه يحمل أسباب السعادة والشقاء، المرض والدواء، يظن أنه مجرد شيء صغير في فلك عظيم، وكون متسع لا يعرف حدوده إلا الله الذي خلقه، فقال:

داؤك منك ومـــــا تبصر

دواؤك فيك ومــــا تشعر

وتحسب أنك جـِرمٌ صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

ذكر الناس والانشغال بالحديث عنهم؛ داء وخذلان من الله، وذكر الله؛ توفيق منه ودواء.

ضياع العمر في غير ما ينفع؛ داء، وشغله بالمفيد؛ دواء.

الحسد والغل؛ داء فتاك، الرضا بما قسم الله؛ دواء.

الشح والبخل أشد أنواع الداء، والإنفاق في وجه البر؛ دواء.

الشعور بالضيق، ثم رمي السبب على الآخرين؛ داء، ومراجعة النفس والتفتيش فيها؛ دواء.

مقارنة النفس بالآخرين؛ داء عضال، يحمل على استحقار النعم، ومقارنة ما كنت عليه؛ دواء (كذلك كنتم من قبل، فمن الله عليكم فتبينوا).

وعلى هذا قس، وهلم جرا، وإلخ....

الانتباه الصادق ينجي من أشد أنواع الكروب والضيق، بل ينجي من حافة الهاوية السحيقة، فقد عاش قوم يونس عليه السلام في كفر طباق بعضه فوق بعض، لم ينفع فيهم نصح ولا تذكير، لا أحد منهم فكر بالاستماع إليه، والاستجابة له، أرهقوه وضيقوا عليه، وتحت شدة الضغط والتكذيب أوحى الله إليه أنه سيعذبهم، فزادوا تمردًا وعتوًا ونفورًا.

فخرج يونس عليه السلام غاضبًا منهم، لكنه خرج قبل أن يؤذن له بالخروج، فحُبِس في بطن الحوت، وأصبح قومه في نينوى على علامات العذاب تحوم فوقهم، فخرجوا من بيوتهم، أخرجوا نساءهم وأطفالهم، عجوا بالتوبة الصادقة، قيل إنهم قالوا: "يا حيُّ حين لا حيَّ، ويا حي محييَ الموتى، ويا حيُّ لا إله إلا أنت"، فوقع ما قصه الله علينا في كتابه العزيز (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لما آمنوا كشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)

كان سحرة فرعون من أشد الناس كفرًا، وكانوا في غفلة، يبحثون عن رضاه، ويحلفون به، ويبحثون عن المكافآت الدنيوية، لكن حين رأوا معجزة موسى عليه السلام، استيقظت بصيرتهم للحقيقة، ولم يخافوا من تهديد فرعون بالصلب والتعذيب والنكال؛ كانت يقظة وانتباه نقلتهم من حال إلى حال كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "آتوا في الصباح سحرة أشرار، وما كان عليهم الليل حتى كانوا شهداء أبرار".

وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

آخر تحديث: ١٨ نوفمبر ٢٠٢٥

شارك المقال:

مقالات ذات صلة

أفكار

الانتباه

منزلة اليقظة هي أول منازل السائرين إلى الله، وهي أن ينزعج القلب اليوم، قبل أن ينزعج غدًا عند سكرات موته، أو في أرض المحشر، وهي صور ومراتب، فقد تكون من كمالات القرب من الله، وقد تكون بداية إحسان الصلة به جل في علاه.

١٧ نوفمبر ٢٠٢٥
1 مشاهدة
بناء القدرات

الإعانة والصناعة في بيئة العمل

في زمنٍ يركض فيه الجيل خلف السرعة كأنها خلاصه الوحيد، تتعثر بيئات العمل بين اندفاع المبتدئين وخفوت أثر الخبراء، فيجيء التوجيه النبوي الكريم: «تُعينُ صانعًا أو تَصنعُ لأخرق» كضوءٍ يهدي الطريق

١٧ نوفمبر ٢٠٢٥
7 مشاهدة
أفكار

المخارج الواهية

حينما يَسُوق الإنسان نفسه إلى الهلاك

١٧ نوفمبر ٢٠٢٥
1 مشاهدة